ساعات قليلة تفصلنا عن صيام تاسوعاء وعاشوراء، اللذان يوافقان التاسع والعاشر من شهر محرم، حيث يحرص الكثير من المسلمين على صيامهما، كسنة متبعة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وباعتبارهما فرصة للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وأملا في نيل الأجر والثواب.
فضل صيام تاسوعاء عاشوراء
صيام يوم عاشوراء له فضل كبير حيث يكفر السنة الماضية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم عاشوراء؛ لما له من المكانة، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ.
ما سبب صوم النبي يوم عاشوراء؟
وأما سبب صوم النبي صلى الله عليه وسلم ليوم عاشوراء وحث الناس على صومه فهو ما رواه البخاري (1865) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ”
الحكمة من صيام تاسوعاء وعاشوراء
يتساءل الكثير من الناس عن الحكمة من صيام تاسوعاء وعاشوراء، والتي من أجلها استُحبّ صوم تاسوعاء مع عاشوراء في عدّة أوجه ذكرها العلماء وأشار إليها الإمام النووي -رحمه الله- وبيانها آتياً: صيام يوم تاسوعاء هو من باب وصل يوم عاشوراء بصوم؛ كحال يوم الجمعة المنهي عن إفراده بالصيام، ضمان صيام يوم عاشوراء، وتجنّب الوقوع في خطأ العدد الناشئ عن نقص الهلال الذي يجعل يوم عاشوراء هو تاسوعاء عدداً. صيام يومَيّ تاسوعاء وعاشوراء يخالف منهج غير المسلمين في الاقتصار على صيام عاشوراء.
مراتب صيام تاسوعاء وعاشوراء
يُستحبّ صيام تاسوعاء وعاشوراء لفضلهما الوارد فيما سبق من الأحاديث الصحيحة، وقد أشار ابن القيم -رحمه الله- إلى ثلاث مراتب في صيام يوم عاشوراء، وهي كالآتي: صيام يومين أحدهما سابق ليوم عاشوراء والآخر لاحق له، وهو أفضل المراتب وأكملها، والثاني صيام يومي تاسوعاء وعاشوراء وهو ما دلّت عليه معظم الأحاديث، الثالث صيام يوم عاشوراء منفرداً، وأمّا صيام تاسوعاء فقط فهو أمر مُخالف للمنهج الديني، ويدلّ على قصور في فهم ألفاظ الآثار وطرقها.
الذنوب التي يكفرها صيام تاسوعاء عاشوراء؟
من المعروف في الدين الإسلامي، أن تكفير الذنوب الحاصل بصيام يوم عاشوراء المراد به الصغائر، أما الكبائر فتحتاج إلى توبة خاصة، حيث قال النووي رحمه الله: يُكَفِّرُ (صيام يوم عرفة) كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ , وَتَقْدِيرُهُ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إلا الْكَبَائِرَ.
ثم قال رحمه الله: صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ , وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ , وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ… كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ , وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ ,.. وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ , رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ.
كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وَتَكْفِيرُ الطَّهَارَةِ، وَالصَّلاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَعَرَفَةَ، وَعَاشُورَاءَ لِلصَّغَائِرِ فَقَطْ.