على مدار الساعات الماضية، استقطبت المقابلة التلفازية التي أجراها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مع قناة “فوكس نيوز” الأمريكية، موجة واسعة من الاهتمام على الصعيدين العربي والعالمي، خصوصًا مع الأطروحات الهامة التي تطرق إليها اللقاء، متضمنًا العديد من الإجابات التي تعكس أفكار ولي العهد وسياسية المملكة العربية السعودية، سواء داخليًا أو خارجيًا.
واستهل ولي العهد حديثه، قائلًا: في الماضي كانت لدينا بعض القضايا في المملكة العربية السعودية، والكثير من الفرص التي لم نقم باستغلالها، نحاول الاستفادة من ذلك، والمضي قدماً نحو مملكة عربية سعودية أفضل، وهذا ما نحاول القيام به، إنها رؤية كبيرة، ونحن نتفاجأ يومياً بأننا نصل إلى أهدافنا بشكل أسرع، ونوسع ذلك نحو هدف جديد وطموح أكبر، وهذا أمر مثير حقاً.
مُضيفًا: في عام 2022 كنا الأسرع نمواً بين دول مجموعة العشرين، وأيضاً في العام الجاري، إذا نظرت إلى إسهام القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي، تجد أننا ثاني أسرع الدول نمواً في مجموعة العشرين. إنه يشكل تنافساً بيننا وبين الهند وهو تنافس جيد، وفي أواخر السبعينيات كان الناتج المحلي الإجمالي السعودي أكبر من كوريا الجنوبية، والآن كوريا الجنوبية أعتقد في المرتبة العاشرة أو الحادية عشرة في العالم، وفي العام 2016 كنا في المرتبة العشرين وهذا شيء مخجل. في عام 1980 كنا رقم 12 على مستوى الناتج المحلي الإجمالي، وفي 2016 أصبحنا الرقم عشرين. لذلك نعتقد لو أن السعودية حافظت على مستواها منذ ذلك الوقت لكنا اليوم من بين أكبر سبع، إننا الآن في المرتبة 17 عالمياً من حيث الناتج المحلي، وفي مجموعة العشرين أصبحنا في المرتبة 15 خلال سنوات قليلة.
وأردف ولي العهد: الخدمات اللوجستية مهمة إذا كنت ترغب بالتصنيع في بلدك، وإذا كنت ترغب في نقل البضائع من المهم أن يكون لديك خطط لوجستية جيدة تمكنك من العمل مع العديد من البلدان والعديد من المناطق للتأكد من أن البضائع تمر بالوقت المناسب. على سبيل المثال، هذا المشروع سيقلل الوقت الذي تقضيه البضائع من الهند إلى أوروبا بـمقدار 3 إلى 6 أيام مما يوفر الوقت ويوفر المال، وهذا أمر أكثر أماناً وأكثر كفاءة، فلماذا لا نفعله؟ الأمر ليس متعلقاً فقط بنقل بضائع عبر السكك الحديدية والموانئ بل أيضاً الشبكات وشبكات الطاقة وكابلات البيانات، وغيرها من الأشياء التي من شأنها أن تفيد أوروبا والشرق الأوسط و أيضاً الهند ومعظم هذه المناطق, وسيتم إنتاج طاقة خضراء في الشرق الأوسط ويتم تصديرها إلى أوروبا والهند، لذلك، إنها مسألة كبيرة بالنسبة لنا ولأوروبا والهند.
وحول تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل، لفت ولي العهد إلى أن إدارة الرئيس جو الأميركي، وضعت خطة حول ذلك الأمر، قائلًا: بالنسبة لنا القضية الفلسطينية مهمة للغاية، نحن بحاجة إلى حل هذه المسألة، ولدينا مفاوضات جيدة وهي مستمرة حتى الآن، علينا أن نرى إلى أين ستتجه، ونأمل أن يصل ذك إلى شيء وأن يسهل حياة الفلسطينيين ويجعل إسرائيل أحد اللاعبين في الشرق الأوسط، كل يوم نصبح أقرب، ويبدو أنه وللمرة الأولى، هناك شيء جاد حقاً، وسوف نرى كيف ستسير الأمور.
ليستطرد: في السياسة السعودية نحن لا نتدخل في من يدير شؤون دولته، ومن يكون في قيادة بلده، نحن نتعامل معه، والآن ليس لدينا علاقة مع إسرائيل، ولكن إذا نجحت إدارة بايدن في عقد على ما أعتقد أنه أكبر اتفاق تاريخي منذ الحرب الباردة، فسوف نبدأ بعد ذلك بالعلاقة، وتلك العلاقة ستكون مستمرة بغض النظر عمن يدير إسرائيل، إذا حققنا تقدماً في التوصل إلى اتفاق يمنح الفلسطينيين احتياجاتهم ويجعل المنطقة هادئة، فسنعمل مع أي شخص يكون موجوداً هناك.
ثم واصل حديثه قائلًا: نحن قلقون من حصول أي دولة على سلاح نووي، فهذا شيء سيئ وخطوة سيئة، لا يحتاجون إلى الحصول على سلاح نووي لأنهم لن يستخدمونه. حتى لو حصلت إيران على سلاح نووي، أي دولة تستخدم سلاحاً نووياً فهذا يعني أنها ستخوض حرباً ضد بقية دول العالم. لا يمكن للعالم أن يرى هيروشيما أخرى. إذا رأى العالم 100 ألف قتيل، فهذا يعني أنك في حرب مع بقية العالم. لذلك استخدام هذا الجهد للحصول على سلاح نووي غير مجدٍ، لأنه لا يمكن استخدامه. وإذا استخدمته فإنك ستخوض معركة كبيرة مع بقية دول العالم، وإذا حصلوا عليه، يجب أن نحصل عليه لأسباب أمنية ومن أجل توازن القوى في الشرق الأوسط، ولكننا لا نريد أن نرى ذلك، هذا جيد، هذا جزءٌ من الحراك، ورأينا ترحيباً حاراً جداً من الإيرانيين بالفريق السعودي. أعتقد أن السعوديين يأخذون الأمر على نحو إيجابي.
لينتقل ولي العهد، إلى قوله: نحن أكبر مشترٍ لصناعة الأسلحة الأميركية، وأعتقد أن المملكة العربية السعودية أكبر من المشترين الخمسة التاليين الذين يشترون من أميركا. لذلك، فإن المملكة العربية السعودية تلعب دوراً حاسماً في استيراد الأسلحة اقتصادياً، ولدينا العديد من العلاقات الأمنية والعسكرية التي تعزز بالفعل مكانة المملكة العربية السعودية في الشرق الأوسط، وكذلك مكانة أميركا عالمياً، وخصوصاً في الشرق الأوسط، ولا تريد أن يتم تغيير ذلك، ولا تريد أن ترى السعودية تنتقل إلى شراء السلاح من أميركا إلى مكان آخر. هذه الوثيقة ستعزز مصالح أميركا والمصالح الأمنية والمصالح العسكرية وكذلك المصالح الاقتصادية، كما أنها ستوفر الجهد والصداع من الجانب السعودي لعدم التحول إلى أماكن أخرى.
ليتابع قائلًا: لدينا معركة طويلة مع إيران منذ عام 1979، ولا نريد أن يكون ذلك هو النمط السائد في الشرق الأوسط، إذا كانت هناك فرصة لتغيير ذلك والذهاب إلى الازدهار وبناء المصالح والعمل مع إيران وجلب إيران للعمل مع الدول العربية والشرق الأوسط، فلما لا؟ الإيرانيون تواصلوا مع العراقيين في 2020، والعراقيون تحدثوا إلينا وبدؤوا بالقيام بهذه المفاوضات، وكانت لدينا عقبات، ودخلت الصين في الموضوع وحلّتها. ثم بعد ذلك بدأنا بشكل جيد، ونأمل أن يستمر هذا. نحن نفعل أفضل ما لدينا، ومما نراه أن الإيرانيين يأخذون ذلك بجدية ويقومون بكل ما بوسعهم، ونحن نستثمر في ذلك.
وحول الشأن اليمني، قال بن سلمان: هدفنا منذ اليوم الأول هو أن تكون هناك حياة طيبة لليمنيين، حياة طيبة لجميع دول المنطقة. بالنسبة لنا في السعودية، أن نحقق تقدماً ونمواً كبيرين ونخلق اقتصاداً مذهلاً في السعودية، وأن نحقق ما يقرب من 100% من النجاح، فيما نحاول تحقيقه، هذا يعني أننا بحاجة إلى منطقة مستقرة. ولكي تكون هناك منطقة مستقرة، فأنت تحتاج إلى تنمية اقتصادية في المنطقة بأكملها. لا تريد أن ترى مشاكل في اليمن، تريد أن ترى العراق يتقدم وإيران تتقدم، ولبنان يتقدم، وبقية دول المنطقة تتقدم. ونعمل مع دول الخليج العربي ومصر ومع لاعبين آخرين في المنطقة وأيضاً لاعبين عالميين ومع حلفائنا في الولايات المتحدة، وهذا أمر جيد لبقية العالم. لأنه عندما تضطرب المنطقة تخرج داعش والقاعدة والهجمات الإرهابية والقرصنة، لذلك لا نريد أن نرى هذه الأحداث. نريد أن نرى فرصاً للشركات الأميركية والشركات الأوروبية ولبقية العالم، والمزيد من النمو في مكان كان يخرج منه في العقود الماضية العديد من المشاكل.
مُردفًا: نحن أكبر دولة قدّمت مساعدات لليمن في الماضي، واليوم وغداً، ونريد زيادة ذلك، ونريد أن نبدأ الاستثمار في اليمن اقتصادياً وفي كافة المجالات في اليمن. نحن نقوم بذلك حتى لو كان هناك وقف لإطلاق النار، فإنه لا يوجد اتفاق سياسي حتى الآن، ولكن نحاول الدفع في كل المجالات إلى الأمام يوماً بعد يوم، ما أريد أن أقوله هو إنها خطوة وآمل أن يُظهِر الإيرانيون أن الحصول على الستة مليارات أو إعادة الرهائن أمر يستحق هذا الجهد، لأن هذا سيشجع العالم لفعل المزيد، والصين هى التي اختارت أن تكون وسيطاً لتمكين ذلك، هناك علامات للتغير. بالطبع هناك تجديد للعلاقات مع إيران بوساطة الصين، وهناك إمكانية الانضمام إلى بريكس، والصين كانت عاملاً كبيراً في هذا.
وفيما يتعلق بمجموعة بريكس، قال بن سلمان: هذه المجموعة ليست تحالفاً سياسياً، هناك مجموعتان داخل مجموعة العشرين: مجموعة الدول السبع وبريكس، حاولنا الانضمام إلى مجموعة الدول السبع أثناء إدارة ترمب، ولكن كان لبعض الدول في مجموعة الدول السبع اشتراطات للانضمام، ونحن نرى أننا إذا استمرينا لعقد آخر من دون أن نصبح في إحدى المجموعتين في داخل مجموعة العشرين، هذا قد يمثل صعوبات اقتصادية لنا، ولذا بريكس هي خيار. ووجهت لنا دعوة للانضمام ورحبنا بذلك، وبريكس ليست مجموعة مناوئة للولايات المتحدة أو الغرب، بل لديك الكثير من الحلفاء في بريكس مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، وهم حلفاء.
وحول أزمة أوكرانيا الراهنة، علق بقوله: ما يحدث هناك هو أمر سيئ، لا أحد يريد رؤيته، أن تغزو بلداً هو أمر يعارض قواعد الأمم المتحدة. لقد صوتت السعودية ضد هذا الغزو. الروس لديهم حجة لما قاموا به، بسبب توسيع الناتو وما إلى ذلك، ولديهم قائمة حجج. غزو أي بلد هو أمر سيئ. ولكن السعودية لديها علاقات جيدة مع روسيا. كما أننا لدينا علاقات جيدة مع أوكرانيا. لدينا علاقات تجارية مذهلة و جوهرية مع كل من أوكرانيا وروسيا. فمن جهتنا، سوف نسعى جاهدين للمضي قدماً لحل هذه المشكلة.
وحول واقعة مقتل الصحفي جمال خاشقجي منذ 5 سنوات، قال بن سلمان: قمنا باتخاذ جميع التدابير القانونية التي اتخذتها أي دولة، كما كان الحال عندما ارتكبت الولايات المتحدة أخطاءً في العراق، يقومون بإجراء التحقيقات والمحاكمات إلخ. فعلنا ذلك في المملكة العربية السعودية وقد أغلقت القضية، كما نسعى أيضاً الى إصلاح النظام الأمني للتأكد من عدم حدوث هذا النوع من الأخطاء مرةً أخرى، ويمكننا أن نرى أنه خلال السنوات الخمس الماضية لم يحدث أي شيء من هذا القبيل. وهذا ليس جزءاً مما تفعله المملكة العربية السعودية في آخر مئة عام، كان خطأً، وكان موجعاً ونبذل قصارى جهدنا للتأكد من إصلاح نظامنا للعمل وفقاً للقوانين وللتأكد من سلامة الجميع، ليس فقط في المملكة وإنما في جميع أنحاء العالم، وأي شخص متورط هو حالياً يقضي فترة محكوميته في السجن، يجب أن يواجهوا القانون.
ليرد ولي العهد السعودي، مُعلقًا على هجمات الحادي عشر من ديسمبر، قائلًا: أشعر بالأسف الشديد لأي شخص فقد أحد أفراد أسرته، لا أحد يريد أن يفقد أحد أفراد أسرته، خاصةً بطريقة مثل هذه. نعم كان هناك 15 سعودياً في الهجوم الذي خطط له أسامة بن لادن، هذا أمر معروف. أسامة بن لادن أيضاً خطط للعديد من الهجمات في المملكة العربية السعودية، وبالتالي ليس من المنطقي على الإطلاق أن نعمل مع الشخص الذي ينفذ الهجمات الإرهابية في المملكة العربية السعودية في التسعينيات، ويقتل السعوديين والأجانب في ذلك الوقت في المملكة العربية السعودية. هو عدونا وهو عدو لأميركا. المحاولة الرئيسية لأسامة بن لادن، وهذا وفقاً للتقارير، هو استقطاب أكبر عدد ممكن من السعوديين ليضمن إحداث مشكلة بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، لذا إذا انطلت هذه الخدعة على الشعب الأميركي، هذا سيعني أن أسامة بن لادن نجح في تنفيذ خطته.
وواصل ولي العهد حديثه: نبحث عن فرص الاستثمار ولدينا العديد من الاستثمارات في جميع أنحاء العالم مع الكثير من الأشخاص والفرص الاقتصادية، عندما تريد تنويع الاقتصاد، عليكَ أن تعمل في كل القطاعات، التعدين، والبنية التحتية، والصناعات التحويلية والمواصلات واللوجستيك والقائمة بأكملها. وجزء من ذلك يتضمن قطاع السياحة. وإذا أردت الترويج للسياحة تحتاج إلى تطوير قطاعات الثقافة والترفيه والرياضة لأنه عليك وضع روزنامة ونعرف أن السياحة كانت تساهم في 3% من إجمالي الناتج المحلي السعودي، أما اليوم فالنسبة 7%، الرياضة كانت تساهم بـ0.4%، اليوم النسبة هي 1.5%. هذا يعني المزيد من النمو الاقتصادي والوظائف وروزنامة كاملة من الترفيه. هناك أيضاً السياحة. وكما ترى نحن في المرتبة الأولى في الشرق الأوسط، ومنذ 6 سنوات لم نكن حتى ضمن الدول العشرة الأولى. عام 2022، كنا في المرتبة العاشرة على مستوى الزيارات العالمية. هذا نجاح باهر. هدفنا أن نصل إلى أكثر من مئة مليون زيارة، ربما إلى ١٥٠ مليوناً. السنة الماضية وصلنا إلى 40 مليون زيارة من المملكة والعالم، وبالتالي يبدو أننا سنصل إلى الهدف.
ليستطرد: الحرمان الشريفان في المملكة هما الحرمان المقدّسان لكل المسلمين. في مكة، هناك الكعبة التي يتجه المسلمون إليها 5 مرات في اليوم لأداء الصلاة، ويجب الحج إليها مرة واحدة على الأقل في العمر، ونحن نتحدث عن ما يقارب من ملياري مسلم في العالم وفي المدينة، يوجد قبر الرسول. وبالتالي فإن واجب أي ملك للمملكة العربية السعودية وواجب كل الشعب السعودي هو خدمة هذين الحرمين وخدمة الحجاج إليهما، وأعتقد أننا قمنا بعمل مذهل في هذا الجانب.
واختتم ولي العهد حديثه قائلًا: إن أعظم قصة نجاح في القرن الحادي والعشرين، هى المملكة العربية السعودية، هذه هى قصة القرن.